مثل شعبي يتم تداوله في جمهورية مصر العربية في الغالب وبعض الأقطار العربية ومنها العراق ، وفي أرض الكنانة يقال (الجمل طلع النخلة قلنا : آدي الجمل وآدي النخلة) . والمراد به رد الشخص الذي يبالغ كثيرا وإثبات حسن النوايا وتصديق الوعود ضمن إطار الواقع والمنطق. فحين يقال إن بإمكان الجمل أن يصعد على النخلة يكون الرد بكل ثقة ويقين: تعالوا وشاهدوا بأم عيونكم ، هذا الجمل وهذه النخلة فأرونا كيف يصعد ؟!.
وبمناسبة هذا المثل ، فإن هناك ظواهر عديدة مشينة تحصل في العراق ، مثل الاعتداء على المعلمين والأساتذة ، والتجاوز على رجال شرطة المرور في الشوارع و ( دكات ) ناقصة كثيرة ، لكني سأتوقف اليوم عند حالة واحدة فقط وهي ( الدكة العشائرية ) ، وليس ( دكة ) الراحل ناظم الغزالي ( شامة ودكة بالحنج منْ يشتريهه) ؟ ، ولا أغنية الفنان سيف نبيل ( هالدكة مقصودة ) ، ولا ( الدكة الناقصة ) : أي العمل السيء الذي يقوم به البعض بكل خسة وغدر تجاه الآخرين …( وماأكثر الدكات الناقصة اليوم)!!.
( والدكة العشائرية ) نوع من أنواع الإرهاب وتعامل وفق قانون الإرهاب كما عدها القضاء العراقي ، وباتت تتكرر في مناطق ومحافظات مختلفة من العراق ، وهي عبارة عن إنذار بالذخيرة الحية لمواطن لديه نزاع مع مواطن آخر سرعان ما يتحول إلى قضية بين عشيرتين. ومن أجل توجيه إنذار صارم للشخص المعني بأن عليه تهيئة نفسه وزعماء عشيرته لـ«فصل عشائري» قد يبلغ أحياناً مئات ملايين الدنانير ، تأتي مجموعة من الشباب ليلاً إلى منزله ويمطرون أماكن مختلفة من السياج الخارجي والجدران بوابل من الرصاص. وطبقاً لقواعد «الدكة العشائرية»، فإن الإطلاقات ينبغي ألا تصيب أحداً في البيت، بما في ذلك الحيوانات (إذا كان صاحب المنزل لديه في الحديقة كلاب أو طيور)، لأن إصابة تلك الحيوانات يترتب عليها فصلٌ آخر – قد يكون دموياً- من فصول المواجهة” (1).
جال كل ذلك بخاطري بعد أن أدهشني وساءني ماعرضته بعض القنوات الفضائية العراقية قبل بضعة أيام عن قيام أشخاص يقومون بتنفيذ ( دكة عشائرية ) وهم يعتلون إحدى عربات الجيش المسلحة ( همر ) ويطلقون النار !!، أي على مرآى ومسمع القوات الأمنية ، فاذا كنّا نتحدث عن ديمقراطية ونظام وحضارة ونزع سلاح واستتباب أمن وتحرير أراضٍ سليبة ( طبعا أراضٍ داخل الوطن وليس خارجه )!!، فكيف يتحقق ذلك اذا كانت عمليات مسلحة تنفذ في داخل البلاد وتحت أنظار السلطات وهي لاتحرك ساكن ؟ّ! ، ( تعالوا عمي فهمونا هذا الجمل وهذه النخلة!!).
يقينا فإن أي دولة تتحدث عن السيادة والحياة الحرة الكريمة وتصبو الى التقدم والسلام والحرية الحقة ، لابد لها أن تكون واضحة وصادقة أمام شعبها بالأفعال وليس بالأقوال ، خصوصا وقد صدّعت رؤوسنا منذ ثمانية عشر عاما ( بالسفسطة ) التي أسمعتنا جعجعة ولم تُرِنا طحينا او شبحاً واحداً من أشباح المدينة الفاضلة التي طالما حلم بها إفلاطون ، ..(وهذا الميدان ياحميدان) ، ( وهذا الجمل ..وهذه النخلة )!!.
1- «الدكة» العشائرية إرهاب في نظر القضاء العراقي ، الشرق الأوسط ، 10 نوفمبر 2018